الأستاذة حسيبة طاهر                       

 

بقلم: أ. حسيبة طاهر

ها نحن اليوم جميعا ... جميعا ...أهل الأرض قاطبة لا تتحرك ألسنتنا إلا بالحديث عن هادم اللذات ومفرق الجماعات السيد كوفيد ديزناف ... حاصد الأرواح وعلى رأسه تاج ... ليس غريبا فلطالما ارتبط التاج بوهب الحياة وأخذها إن شاء ومتى وكيف شاء ... عدو الخفاء هذا الذي ما علمنا أهو صناعة مخابر الأرض أم السماء!!! ... أم ابن خطيئة جعل السحر يفتك بالعامة وينقلب على الساحر أيضا !!! ... و تتحرك ألسنتنا على اختلافها بلعن زمن الجائحة والتهويل والتأويل لما بعدها ... والتغزل بالماضي والمدح والفخر لما وبما قبلها ... هي شيمنا لم ولن نتغير .... دائما نلعن الحاضر نشتمه نصفه بأبشع الصفات سواء بوجود الكورونا أو قبل ظهوره ونتحسر على الماضِي المجيد، حالمين بالآتي المحمل بالمسرات والنجاحات ... إنها مجرد ميكانيزمات من مخلوق ضعيف ينتهج النواح والبكاء على الأطلال كأسلوب حياة، يحج إلى الماضي ليغتسل من ذنوب الحاضر فيستحق جنة القادم ... ففي واقع الأمر ليس الوباء وحده من لطخ سمعة الحياة وكشف عن عهرها المتخفي تحت حجاب ... فلمْ يكن واقع الإنسان يوما بأحسن الأحوال، كل عصوره حروب مذابح، دماء وجماجم، كوارث بيئية أوبئة وأمراض مستعصية ... مجاعات عطش جرائم قتل واغتصاب، محن إعاقات جسدية وذهنية عاهات تشوهات خلقية ... إن الإنسان ابن الألم والمعاناة يولد من رحم الأسى ويستميت في التشبث بحضن عاهرة على دمه محبوب وعلى حبه مكروه ... مثير للبكاء مثير للغناء والغزل مثير للضحك للرقص للاشمئزاز واللذة في أن ... وما لم يخطر على بال بشر ... وأشياء كثر ... محاولا البقاء إلى أجل أطول من المسمى ... وحتى الخلود إن قدر ... وبالمقابل وبكل أنانية يتفنن في إهلاك غيره بكل الطرق المتاحة واللامتاحة ... فمن ملك القوة والدهاء أرضخ الكون أرضا وعرضا ... معتقدا وفكرا ... فنا وأدبا ... هذا المخلوق اليتيم يظله بالخلود حالما وعن إكسير الأبدية باحثا ... ولو في الكتب القديمة والأساطير الغامضة الطلاسم ... يترجم ويأوّل، يحرف ويبدل ... فالخلود يبرر الدجل ... لكن في الحقيقة حتى الخلود معاناة كبرى لو تعلم، والغرق في الملذات الحسية أو حتى الروحية إلى المالانهاية سيجعلها أمرا غير ممتع بل مجرد روتين خال من أية إثارة، كما أن الغرق في الحرمان وتعذيب الذات يحولك إلى وحش ضار شرس بلا قلب ولا وجدان ... فتغدو قنبلة موقوتة لو انفجرت لأشعت أثارها السامة إلى بضعة قرون ... وإنها لتفعل ... فلا مفر لك أيها الإنسان من الرضوخ للعدم ...وكل ما يجب عليك فعله هو أن تجعل حياتك الآنية أجمل قدر ما استطاعت يداك إليها سلاما وحبا ... ويوما ما سترحل ... أجل إنك لراحل: بالكورونا بالطاعون بالطاغوت سترحل ... تعددت الفواتك والرحيل وافد ... إن الموت ليس إلا مرحلة من مراحل الحياة ... فحبذا أن نرحل تاركين هذا العالم أكثر أمنا وسلاما وحبا للأجيال اللاحقة ... لست بجاهلة، أعلم أنها أضغاث ألم ونزيف قلم مثقل بأماني واهية ... لكن الحلم أكسجين الروح وغذاؤها ... ومخدرها لتجتاز سطو الواقع بأقل الآلام الممكنة ... ولتحقن ببضع ذهول وبعض الدهشة يتزاوجان على هضبة الروح ليولد الجمال ... أجل الجمال ولو على حافة معبر ... فكفوا عن النواح والتضرع وفكوا عقد العقل ... فلا البكاء على الأطلال يحي الموتى ويعيد أمجاد الماضي السليب ... ولا انتظار الخوارق يجدى نفعا ... سيمضي الوباء وتعود الأحضان والقبل ... تستنزف الذكريات وتعزف الموسيقى في الساحات ونرقص ... سوف نرقص والموت يتربص ... ستفتح المساجد والكنائس ونصلي ونرتل والموت يطوف ويسبح ... سنحتفل بالعيد والموت هناك من ثقب العدم يتفرج ... سنشعل الشموع ونذرف الدموع سوف نمتطي الأحزان ونعبر ... والموت معنا يعبر ... سنمتطي الحياة بموتها كما امتطاها الذين من قبلنا وأهدونا إياها... بزرع نطاف حب ... أو رميها دون سبق إصرار ولا ترصد ... وتستمر الحياة تزرع ... وتستمر الدموع تروي ... ويستمر الموت يحصد ... إلى أجل قد يكون مسمى وقد يكون مجهول النسب ...
 
modal