ها أنت اليوم تتجلى في صفاء الكلمة والشعر والروح الصدّاح بالأبدية الغنّاء
ما يمكن قوله أمام هذا الفيض كله الذي غمرتنا به كقراء ؟
ما الذي تسعه الكلمات لاستعادة حبك اللانهائي للإنسان؟
فقد كان الإنسان هاجسك وأنت تجوب براري المدن ومتاهات البلدان القريبة والبعيدة.
من ذا الذي يذكرك وأنت مهووس بالمدينة التي أحببت وعشقت حتى النخاع وهران، كتبتها حروفا راقصة وبهيجة.
كل كتاباتك تشهد من (تأمل في وجه الثورة) و(مايراه القلب في زمن التحولات ) إلى ديوانيك (قمر الشاي) و( العلامة والتحولات).
بقيت الوفاء كلّه للشعر، لم تخنه ولم تخذله لأنه ظل أصل العالم بالنسبة إليك ، ظل الكلمة التي تمنحنا الحب، النبوءة، وعلامات الخلق والإخلاص و ما يبقى يؤسسه الشعراء، وكان هذا الإخلاص هو ما تركته يحرك فينا طفولتك التي ظلت تتحدى أسوار العمر والزمن والموت، وتعيد بعث الحياة في علاماتها السرمدية عبر الشعر الذي تركته إرثا جميلا لكل هؤلاء الشبان الرائعين، المبدعين الحالمين بجزائر خلاقة، تسود فيها سلطة الذوق الرفيع وتعود فيها الثقافة لأهلها وبناتها وبنيها.
ها أنت اليوم تعود شهادة بعد حراكنا المبارك الخصب الذي جدد فينا الرغبة الجامحة والأصيلة في صياغة أسئلة بناء الوطن بالخيال والإبداع والذكاء وتأثيثه بإطلاق المبادرة في كل مكان لتهز أوثان العطالة من جذروها.
بقيت وأنت بعيد عنا تلك السنوات جسدا قريبا منا بحلمك الذي لم يتوقف وظل يتنفس الحلم شعرا،، وها نحن نعدك يا شاعرنا الجميل أن نجعل من حلمك حقيقة، شعاعا ينير الطريق نحو المعرفة والحرية والانتشاء من خلال الثقافة وعلى الحلم بلحظة الوجود في جزائر جديدة.
الثقافة حلمنا جميعا، حلمنا الذي يثير فينا وهج القلق الدائم من أجل جزائر مطمئنة، خلاقة وواثقة من نفسها
لقد قررت عودتك إلى عين الخضرا كما كنت تريدها، فلا نقول لك وداعا بل مرحبا بيننا لأنك كلمة أبت الاندثار والانطلاق ،لأنك شعر اختار البقاء والاستمرار والخلود ولأنك روح قررت أن تسكن أرواحنا جميعا.
فأهلا بك خالدا في جنات الخلد،
وسهلا بك قصيدا لا ينضب.
رحمك الله،
سلام على روحك شاعرنا المجيد عياش يحياوي.
الجزائر، يوم 20 فيفري 2020
مليكة بن دودة
وزيرة الثقافة

 

modal