بقلم: عمر بوساحة 

من المفترض أن تكون أزمة كورونا فايروس قد علمتنا نحن الجزائريين أنها جائحة طبيعية أنتجتها شروط بيئية معينة كما تنتج أشياء كثيرة غيرها، ولا علاقة لا لله ولا لغيره من القوى الخارقة بصناعتها، وعليه فإنه من غير المعقول اعتبار بأن الأمر عقاب إلهي للبشر على أفعالهم وعلى الكبائر التي يقترفونها، فالله ليس قوة غاشمة عبثية تضرب البشر من دون مبررات ولا تمييز، فقط لأنها تريد إرضاء هوى في نفسها، فهناك البشر الطيبون وهناك الأشرار المجرمون، ولا تزر وازرة في الحياة وزر أخرى، فالعدل الإلهي كما قدمته الأديان والشرائع وأكده الفلاسفة والمفكرون يأبى أن يساير هكذا تفاسير ومذاهب منحرفة. ولا فائدة من الدفع بمقولة: هي حكمة من الله أو ابتلاء منه، فالله لم يمنحنا عقولا ويدعونا لاستعمالها ثم يعود على ما صنع ويعبث بنا وبعقولنا كما يشاء. إنه كلام عبثي، مرسل يتجاهل أو يجهل أن الله عادل لا يتناقض مع نفسه ولا يتلاعب بالبشر والعقول.
كما قد تكون هذه الأزمة قد علمتنا أن نظرية المؤامرة التي تعشعش في عقولنا وتفعل بنا ما تفعله الكورونا وأوبئة أخرى في أجسادنا، قد فضحها هذا الانتشار المرعب لهذا الفيروس في العالم، فهو لم يستثن شعبا من الشعوب، فمن يتآمر على من؟ فالإنسانية كلها هي الآن ضحية لهذا الفيروس المرعب الخطير، وبخاصة منها تلك المتقدمة التي أصيبت أكثر من غيرها، والتي نعتقد نحن على الدوام بأنها مصدر المؤامرات علينا. قد تكون المؤامرة في بعض الأمور واردة، ولكنها أن تصبح المشجب الذي نعلق عليه كل مآسينا فهذا أمر يرفضه الواقع والحقيقة. إن تقمص دور الضحية الذي ابتلينا به في حياتنا وثقافتنا جعلنا نعتقد أن العالم كله يتآمر علينا، ولا ننتبه ونحن نعيش هذا التيه أننا في الواقع نعيش عالة على هذا العالم، يصنع لنا كل ما نستهلكه في حياتنا ولكننا لا نتوانى في أن نشن عليه حربا من الساعات الأولى للصباح إلى الساعات الأخيرة من الليل، حربا بالدعاء عليه تارة، وبالسب والشتيمة في الكثير من الأوقات، ونجهل ونحن نعيش لذة غبائنا بأن الدعاء لو كان مفيدا فيما نبتغيه لساعدنا أولا في الخروج من أزماتنا المتلاحقة والتي لا يبدو أنها ستكون لها نهاية في المستقبل القريب.
يفترض أننا سنستفيق مما ألحقه بنا هذا الوباء من ضياعنا واغترابنا الديني والثقافي وننتبه إلى أن الثقافة التي لا تنهل من العلم والفلسفة والفنون الجديدة وكذلك من الفكر الديني الجديد، ستظل غارقة في الجهل والأوحال وسيظل الدراويش والدجالين سادتها. يستغلنا تجار الدين والخرافة المدَعين للمعرفة والعلم كذبا، تماما كما يستغلنا تجار المواد الاستهلاكية، يبيعون لنا جميعهم ما فقد الصلاحية من موادهم من غير وازع أخلاقي ولا ضمير. فلا فرق بالمطلق بين هذا التاجر وذاك، هذا يبيعك موادا بأسعار خيالية استنفذت صلاحيتها وذاك يبيعك ثقافة فقدت هي الأخرى صلاحيتها منذ غابر الأزمان تصنع منك كائنا منفصلا عن عصره.   

 

modal