- الوظيفة الاجتماعية للزواج و مقاييس اختيار الزوجة:
إلى جانب الوظيفة التي نص عليها الشرع كعفاف النفس وخلق أواصر القرابة والتعارف عبر المصاهرة، فقد كان للزواج في منطقة سعيدة كما في معظم بقاع الوطن وظائف اجتماعية واقتصادية عدة من بينها
- حفظ النسب (أو الأصل): تقوية القبيلة (أو الدوار) عدديا لأغراض الحرب أو تزويد مختلف الأنشطة الاقتصادية باليد العاملة (الفلاحة، الرعي)"
- حفظ الميراث
و لتبيان المقاييس المتعارف عليها في اختيار الزوجة نورد هذه القصة المتداولة في منطقة سعيدة: على سبيل الاستدلال "يروى أن رجلا طلب من ابنيه الارتحال طلبا للمصاهرة، فنزلا على أحد القبائل و طلب كل منهما الزواج من إحدى بناتها، و بينما كان لأحدهما ميل للجمال، كان للآخر أتجاه نحو اختيار "ابنت الأصل"، فأخبر الأول عن ابنة أحد الأعيان و كانت ذات جمال باهر، بينما وجّه الأخر إلى فتاة ذات بشرة سوداء لكنه قبل رغم ذلك لاقتناعه بتوفر شرط الأصل فيها، و تمت على هذا الأساس مراسيم الزواج
وكانت النتيجة أن ذرية من اختار الأصل كانت أصلح وأشجع، وأقدر على مواجهة المصاعب، بينما كانت ذرية الآخر على العكس من ذلك تماما. و حينما سأل هذا الأخير أخاه عن سبب هذا الوضع أجابه أخوه بقولة مأثورة مازالت متداولة إلى يومنا هذا : أنا خيّرت الجدود و أنت خيّرت الجلود
:وكان اختيار الزوجة عموما من أبناء العمومة و كان نادر ما يتم خارج القبيلة (أو الدوار) فيقول أحد شعراء منطقة سعيدة و هو الشاعر زرويل
أنا قلـت بنت عميمي و انت قـلت أنـا نـديها
أنت جيب شاة التحلال و أنا يطول الزمان و نلحقها
ويقول المثل المحلي أيضا: زيتنا في بيتنا وبنتنا لولدنا
- طقـوس الخـطبــة:
يرسل الوالد إلى ولده يستشيره في أمر الزواج (في المبدأ و ليس في شخصية العروسة فهذا من اختصاص الوالد) و في غالبية الأحيان يتجاوب الابن بشكل إيجابي، و عندها يستشير الوالد كبار القرية أو القبيلة (كبار الجماعة، كبار الدوار) و يتم البحث في الأقرب فالأقرب من بنات العم (حسب العائلات) و الجدير بالذكر أن خصال أم العروس و ظروف عشرتها الزوجية مع الوالد تعد من المقاييس الحاسمة للاختيار مصدقا للمثل الشائع " أكفي القدرة على فمها تخرج البنت للامها"
عادة ما كان طلب الخطبة الأولى يواجه بالرفض و الثاني كذلك و لا يتم القبول الا ابتداءا من الطلب الثالث أو الرابع و عادة ما يكون الرد بعد مدة طويلة و يكون هذا الرفض و الإطالة لأسباب "بروتوكولية" بحتة للإعلاء من شأن الفتاة و عائلتها
:وبعد الحصول على الموافقة المبدئية يتجه الخطّاب إلى بيت الفتاة ويتم الحوار التالي
الخاطب: (بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم 03 مرات) يا سي فلان راني طالب منك المصاهرة
فلا يرد والد العروسة و يكتفي بالصمت ثم يكرر الخاطب نفس الصيغة و يكون من والد الفتاة نفس التصرف (أي الصمت)
و في المرة الثالثة يرد الولي: أخطب اليا (إذا) أعطاك الله
فيقول الخاطب: أطلب مصاهرتك على سنة الله و رسوله (طالبا) فلانة ابنة فلانة لفلان أبن فلانة (باسم الأم)
فيقول الولي: تقبل شرطي ؟
فيجيب الخاطب: أقبل
فيبدأ الولي (على سبيل الطرفة و التبسط) بطرح شروط بالغة الصعوبة: كأن يطلب أن يرافق ابنته يوم زفافه 60 أو 70 فارسا و أن تهدى عشرين زربية و أن تحمل ابنته على جمل (في منطقة ليس فيها جمال) داخل هودج من حرير
و بعد ذلك تتم تسمية المهر و الهدية (الحقيقين) ثم يطلب منه "الوقر و الإحسان" و "يدي ما يرودش" (عدم إرجاع الفتاة إلى بيت أهلها) ثم يسأل الولي أو كبير الجماعة عن موعد الزفاف و عما إذا كان الأمر يتعلق بـ عقود و رفود أو عقود و رفود موخر (أي مع تأخير الدخلة) و ذلك حسب الإمكانيات
خطبة الجبل: و قد يلجأ إلى هذا النوع من الخطبة على سبيل التكتم إلى أن يتم الإعلان الرسمي عنها و طقوسها أن يلتقي الخاطب و الولي في مكان معزول (كالجبل مثلا) و عندما يتم الاتفاق يبعث بفارس إلى مربض القبيلة أو مركز الدوار للإعلان الرسمي و العلني عنها
العقــد :
و هو عقد القران كما هو متعارف عليه و يتم بين الموكل من العريس و ولي العروس أو من يوكله بحضور الطالب (الحافظ للقرآن و العارف بأحكامه ) أو الإمام و يسلم خلاله المهر و الهدية و يتم تسمية الشروط التي أتفق عليها في الخطبة يمكن أن يكون العقد مقترنا بالدخلة أو منفصلا عنها، و قد سبق ذلك آنفا
مـراسيـــم الزفــــــاف:
كان الزفاف يدوم سبعة أيام كاملة تقام خلالها السهرات الشعرية و الغنائية، و ألعاب الفروسية، و تقام خلالها الولائم. وكان العرس مناسبة تخص كل القبيلة أو الدوار و كان الجميع يشترك في إحيائها
ينتقل وفد من أهل العريس "الرفّادة" مكون من بضعة فرسان و أعيان القبيلة أو الدوار إلى جانب 'الوزراء' الذي يعينهم العريس إما للوقوف على إحصاء جهاز العروسة و حراسته أو الإمساك بعقال الدابة التي تركبها العروس، كما يمكن أن يرافق الرفّادة أحد الشعراء أو الخطباء (أهل الكلام الزين و "القمنة") ليقابلهم أندادهم من أهل العروسة و يتم عندها حوار لغته الشعر و الحكمة
يؤتى بالعروس على الكاليش (إذا كانت من منزلة اجتماعية راقية)، أو فوق المحمل و يتعلق الأمر ببغله بحلسها و عليه فراش من النوع الفاخر فوقه سماط.، و يمسك بعقال البغلة أحد الوزراء الذين عينهم العريس خصيصا لهذا الغرض
:و تستقبل العروس بأهازيج من قبيل
بسم الله يا بسم الله هذه الدنيا من رسول الله
جاية بالعادة و بنديرها ينفح * و مبارك ما دار عينين الطير
الخيمة كبيرة و العلام يرفق* و مبارك ما دار عينين الطير
:فيما يحيّا العريس بالأهازيج التالية
مولاي السلطان عرش النعناع * اللي عنقاته ما تشوف النار
الحمامة و الطير الحر في السما يتلاقو * مولاي السلطان جدي الغزلان كي السبع يقاطع الويدان.
:ويغني الصبية
نتفارضو دورو دورو * نشرو تـفاحة لرقيق الناب
و عند خروج العريس يحيّا: صباح الخير آسلطان * يجيك وليد آسلطان
و أثناء تواجد العريس مع العروس يقوم أحد الوزراء بحراسة "الحجبة" و ضمان عدم الإزعاج فيما يقوم آخر بالوقوف على مختلف احتياجات العريس
- لـــعبة" سرقة أحد مكونات الجهاز":
أوردنا سابقا أنه يعين أحد الوزراء للوقوف على إحصاء مكونات جهاز العروس وحراسته وذلك خوفا عليه من السرقة، ذلك أنه عند حصول ذلك تبلغ "الجماعة" أو المدعووين فينادي أحدهم "يا الوزرا راكم مخيونين" فيستدعى الوزراء أمامهم لعقابهم على هذا التهاون. و يطلب منهم
في أول الأمر مطالب غريبة ومستحلية كالإتيان بألف قنفود أو مائة ضب مثلا ثم تتغير المطالب لينتهي الأمر بإلزامهم بإقامة مأدبة غذاء أو عشاء، لصالح جميع المدعويين
وعلى العكس من ذلك إذا نجح الوزراء في إحباط محاولة السرقة (التي عادة ما تكون مدبرة خصيصا لإحراج الوزراء و تغريمهم) فإن الجماعة أو المدعويين ملزمين بمكافأة الوزراء على يقضتهم
- الفطور: وهي عبارة عن وجبة إفطار تقيمها أم العروس على شرف المدعويين في اليوم الموالي لليلة العرس على شرف جميع المدعويين
- القصعة: و هي عبارة عن مأدبة تقام ثاني أو ثالث ليلة بعد العرس و هي عبارة عن وجبة عشاء و يجتمع حولها العامة على أن يقام بجمع مبلغ من المال لصالح أم العروس
- الحــزام: و هي عملية يتم بموجبها تحزيم العروس من قبل امرأة مسنة "للبركة"، ثم تقوم برمي الحلوى على الحضور و يتم هذا في اليوم السابع من الزفاف.
- كــب الراس (تقبيل الراس):
حيث يجمع كبار الدوار أو كبار القبيلة و يدخل عليهم العريس من خلفية الجلسة (حياءا) و هو بكامل لباسه فيقبّل (يكب ) على رأس الجماعة ثم يكب على رأس نسيبته ثم يأخذها على دابة ليوصلها إلى منزلها و ذلك بعد أن يكون قد حمّلها بهدية قيمة (شاة) لها و هدايا مختلفة لخالات العروس و جدتها إن وجدت أو ما يسمى بالزيارة. و هو آخر طقس من طقوس الزواج في المنطقة.