• تطوير الفنون وترقيتها
    تطوير الفنون وترقيتها
DJ-ImageSlider - модуль joomla Новости

مقدمة


الزواج أساس تكوين الأسرة، وهو نظام من أهم النظم الاجتماعية وأعظمها شأنا في حياة الأفراد والمجتمعات. كما هو أيضا علاقة شرعية بين الرجل والمرأة، يتم دائما وفق قوانين يقرها المجتمع وفي حدود يرسمها ويعينها. يختلف في الوسائل التي يتم بها وفق الأغراض التي يحققها. وفي الحقوق والواجبات التي تترتب عليه وتتركز كل هذه الاختلافات على القيم السائدة التي يعتز بها الناس في كل ثقافة من الثقافات

يتسم الزواج التقليدي في منطقة القبائل بسمات تميزه وتطبعه بطابع خاص. تتجلى تلك السمات في خضوعه خضوعا يكاد يكون تاما لعادات اجتماعية معينة تتضمن قيما خاصة يتمسك بها المجتمع القبائلي تمسكا شديدا لدرجة أنها تأصلت جذورها ورسخت فأصبحت عندهم من المسلمات التي حبكت حبكا في نسيج ثقافتهم، وصارت من لب التراث الثقافي يتوارثها الناس خلفهم عن سلفهم. وتجدر الإشارة في مستهل الكلام عن الزواج التقليدي في منطقة القبائل أن أبرز سمتين أساسيتين، من سماته المميز هما الزواج المبكر وزواج الأقارب

أما من حيث الزواج المبكر، فهو ذو قيمة عالية وإذا تفحصنا الأمر، وجدنا أن من إبراز الأسباب التي تشجع عليه هي "بساطة" الحياة و ندرة التخصص و تقسيم العمل و انخفاض مستوى المعيشة و قناعة الناس بالضروري من مطالب الحياة أما ظاهرة التخصص و تقسيم العمل فتكاد تكون غير موجودة فالعمل الزراعي أو الحرف القديمة هي الظاهرة التي تكاد تسيطر على الاقتصاديات التقليدية يضاف إلى ذلك أن الشاب القبائلي يصل إلى النضج الاقتصادي في سن مبكرة، إذا أن ما يكسبه من مهنته سواء كان يعمل عند والده أو عند الغير، يكفي الإنفاق عليه و على زوجته ، وبخاصة أنهما يعيشان في الغالب في نفس المنزل الذي تعيش فيه الأسرة الكبيرة التي توفر عليها 0 بهده الحياة المشتركة كثيرا من النفقات و تكمل لهما ما ينقص من الاحتياجات


  • الخطــــــــوبة:

هي أول مراحل الزواج والفترة التمهيدية التي تسبق عقد القران. ففيها يتم اختيار الفتاة للشاب الذي يريد أن يتزوج كما تتم أيضا إجراءات معينة تمليها القيم والعادات على المسؤولين عن هذا الزواج وقد جرت العادة أن تكون فترة الخطوبة قصيرة لا تتعدى بضعة أشهر، وفي بعض الحالات تطول المدة إذا كانت الفتاة المخطوبة صغيرة السن أو إذا كانت أسرة الخاطب ترغب في التريث حتى يتجمع لديها مهر الفتاة

وما تتطلبه إجراءات الزواج من نفقات .الخطوبة في منطقة القبائل عملية سهلة لا تحتاج إلى تمحيص كبير أو تعقيد ولا تتضمن أية أساليب ملتوية أو غير مباشرة. فمجتمع القرية مجتمع محدود، يرجع في الغالب إلى أصل واحد بفضل صلة الدم أو صلة النسب والمصاهرة.

كما هو معتاد أيضا أن الشاب القبائلي عندما يرغب في الزواج ، فإنه لا يتجرأ على قول دلك علانية لوالديه و إنما يتوجه إلى شخص معين سواء كان قريبه أو صديقه ليكلم في ذلك والد الشاب ( الأب أو الأم). حينئذ تخرج أم الشاب للبحث عن المرأة المناسبة، فتجول أنحاء القرية والقرى المجاورة حيث لا يردعها عن ذلك أي رادع، وتواصل بحثها حتى تعثر على الفتاة التي ترى فيها كل المواصفات التي تبحث عنها. ثم ترجع بعد ذلك إلى الوالد لتخبره بأنها قد وجدت الفتاة المناسبة

وبعد فترة قصيرة يتوجه الأب إلى عائلة الفتاة ويطلب يدها وفي حال القبول، يعود ويأخذ معه جد العريس وإخوته وأعمامه وأخواله دونما النساء، وبمعنى أخر ينحصر دور المرأة في اختيار الفتاة. ومع ذلك فان الأم عند اختيارها للفتاة، لا تضع في المحل الأول مصلحة ابنها حيث ميله أو عدم ميله للعروس مثلا

فقد تكون هذه الأخيرة ( الفتاة المخطوبة ) لا يعرف عنها الابن شيئا، بل قد يكون لم يرها مطلقا، أو على الأكثر يكون قد رآها في مناسبة معينة. وعلى أية حال، فليس من المألوف أن يتقدم الشاب لخطبة الفتاة وحده، لأن أهلها لن يتقبلوه، ولا يعترفون بدلك فحضوره بدون مرافقة أمه التي تمثل رأي أسرته، غير مقبول غير وارد بتاتا كما يعد في الوقت ذاته إهانة لأهل العروس، وهو سلوك مستهجن لأنه خروج صارخ على القيم والعادات، ذلك أن طبيعة الثقافة التقليدية لا تعترف بالفردية في بنائها الاجتماعي حيث ألزمت الأم باختيار الفتاة لا الشاب، ويبدو من خلال هذا أن رأي أم الشاب في الخطيبة أهم من رأي ابنها، لأن الأم تمثل الأسرة كجماعة

بعد اطمئنان كل طرف للأخر يشرع والد الفتاة في إملاء شروطه وتكون أولاها أن تبقى ابنته محتجبة داخل المنزل. فلا ينبغي أن تحطب أو تجلب الماء من الينابيع أو الأشغال اليدوية التي تقام خارج البيت

أما الشرط الثاني فيتمثل في إعطاء والد الشاب للعروس من يوم الفرح كبشا كبير، السميد و الزيت و المؤن المختلفة . أما فيما يخص الفساتين فهي مقرونة بعدد قريبات العروس من أخوات و خالات و عمات. أي أن كل واحدة منهن تحظى بفستان واحد على الأقل. وبالنسبة للعروس فان والدها يشترط لها خلخالا و أساور "لمسايسمن الفضة و كدا كل الحلي الخاصة بزينتها ليلة زفافها و حتى يوم الحناء

أما الشرط الثالث فيتمثل في قبعة "القاشوشتوضع على رأس العروس يوم الزفاف و هي مطرزة بأشرطة ملونة مخاطه بشكل طولي و عرضي. وكذا ملحفة الشاش المصنوعة من قماش الشاش. و أما الحبات القبائلية "ثيكسيوينفله كل الحرية في اختيار لونها

بالنسبة لحفلة الخطوبة فهي تضم الأقارب والأصدقاء وأحباب الفتى والفتاة. في مساء اليوم المختار للخطبة تتقابل النساء بالزغاريد. وأما الرجال فيجلسون في مكان منفرد خصص لهم، و بعد ذلك يعلن والد الشاب أو الشخص الأكبر سنا في أسرته لوالدي الخطيبة عن رغبته في مصاهرته فيقول: "نحن نريد القرب منك في بنتك فلانة لابننا فلان " فيرد والد الخطيبة يا ألف مرحبا و نحن نتشرف بذلك و قد قبلنا، البنت بنتكم " ثم يقول سمعونا الفاتحة حتى يتمم الله بخير. تقرأ الفاتحة و تبدأ سلسلة التهاني المتبادلة بين أفراد أهل الفتاة و الشاب و توزع الحلويات و القهوة و الشاي على الحضور

وقد جرت العادة في منطقة القبائل أن تبقى الفتاة في البيت بعد إعلان خطبتها فلا تبرحه إلا لأمور هامة التي تستدعي خروجها. و تعمل أم الفتاة عندئذ على إعدادها إعدادا تاما لكي تصبح زوجة كاملة وتدربها على تحمل المسؤولية في مختلف الأمور

ومن العادات أيضا أن الخاطب و أمه يقومان بزيارات بين حين وآخر إلى بيت خطيبته للاطمئنان عليها و على أهلها، و لكن ليس من حقه أن يراها ولا يتكلم معها بل يبقى مع أهلها " الأب، الأم، الإخوة" كما يجب عليه أن لا يدخل بيتها بأيدي فارغة فعليه أن يأخذ معه هدايا لأن فترة الخطبة مخصصة للزيارات و المجاملات و المقابلات و اجتماعات بين أهل الخطيبين. بعد قراءة الفاتحة على الفتاة فان خطيبها يلتزم إلى حد ما بإنفاق عليها. في حدود معينة كما تقرها العادات. تكون النفقة في الغالب في شكل هدايا عينية أو نقدية تبعا للمناسبات المختلفة وما تتطلبه. وفي غالب الأحيان تؤخذ هذه الهدايا إلى الخطيبة في المواسم والأعياد الدينية كالعاشوراء، المولد النبوي الشريف، اليوم السابع العشرين من رجب، نصف شعبان، أول رمضان، عيد الفطر، عيد الأضحى 


  • التحضيرات لعرس الزواج:

قبل أيام من موعد العرس، تجتمع النساء يوميا بمنزل العريس لتحضير كمية كبيرة من الكسكسى. يتخلل هده العملية أجواء احتفالية بهيجة بقاء أشعار خاصة بالمناسبة وغناء ورقص. ونفس الأجواء تسود دار العروس التي تحاط بعناية خاصة وتقام طقوس عديدة من بينها إشعال الشموع ورمي الملح عند مرورها. وعشية ذهاب العروس إلى بيتها الجديد تقوم عائلتها بتحضير لها حمام تتكفل بهده العملية امرأة مسنة تدعى "القبلة" وهي العجوز التي تقوم بنفس المهمة لجميع بنات العائلة


  • عقد القران:

في صبيحة يوم القران يموج بيت الخطيبة بالمدعو وين من الجيران والأقارب، وتتطوع النساء والفتيات بالقيام بكل خدمة تحتاج إليه الخطيبة وأهلها من غسل أو طهي أو خبز أو إحضار الماء أو ترتيب المكان للحفل وإعداد من صواني الحلوى. و تتفرغ أخريات لتزيين العروس زينة خاصة. و عند الغروب يضاء منزل العروس و مكان الحفل، و يغدو أهل العريس و أهل العروس رجالا و نساء و أطفالا. يجلس الرجال في المكان المخصص لهم أما النساء فيدخلن المكان الذي به العروس وصديقاتها بالغناء المصحوب بالطبل أو الدربكة والتصفيق والزغاريد. يحدد العرس بيومين: يوم لوضع الحنة ويوما  لتزف فيه إلى بيت زوجها


  • يوم الحـــــنة:

تهيئ العائلتان أنواعا و أشكالا من الحلويات و الكسكسى و اللحم و المرق للمدعوين .بالنسبة لبيت العريس فهو مخير بين ذبح الثور و إن لم يستطع فخروفين أو خروفا واحدا و في هذا اليوم بالذات لا يطبخ اللحم في بيت العريس بل يكتفي بالاستقبال المدعوين بمأكولات خفيفة منها ( القهوة، الحلويات التقليدية) و كسكسى بدون لحم. و بعد تناول العشاء يتوجه العريس إلى بيته الخاص و يلبس لباسا جديدا ( قميص ، برنوس حذاء، قبعة) ثم يتوجه إلى الجماعة التي يشكلها جميع أهله و أقاربه بساحة المنزل العائلي و يجلس العريس على حصير أعد خصيصا له و يؤتى بالحنة و المنديل توضع عليه القصعة التي تحضر فيها الحنة. ترافق هذه العملية بزغاريد النساء المتعالية و الأشعار الخاصة بهده المناسبة مع ترديد مواويل خاصة "ثيبوغارين " و مدائح دينية. ثم توضع الحنة في يد العريس الذي يقوم بتكسير الصحن. يصاحب هدا الفعل مرة أخرى زغاريد النساء و طلقات البارود. يكلف الشخص الذي أوكلت له مهمة وضع الحنة على يد العريس بلف الصحن المكسور داخل منديل و يعطيه لأهل العريس للاحتفاظ به في مكان آمن خوفا في استعماله لأغراض مشبوهة. و بعدها يجمع المال من طرف كل المدعوين كل حسب استطاعته و دلك مساعدة منهم للعريس و هدا ما يسمى ب " ثاوسا "

في المساء تزف العروس إلى بيت زوجها ، فتجلس في مكان خاص اعد سلفا لها ، وبعدها يتوجه إليها العريس حيث يقدم لها مبلغا من النقود بمثابة " ثيزريويتم كل ذلك في جو من الغناء و الابتهاج المقرون بالطبل البلدي "اضبالنو يؤدي الشباب و الرجال على السواء رقصات تقليدية خاصة ، و هنا يتقدم المدعوون واحد تلو الآخر بتقديم ما يعرف بنقود الطبال "ارشق . و قد جرت العادة في منطقة القبائل أن يلجأ أهل العروسين بعد إتمام العقد إلى احد المشايخ ليعمل "تحويطة "أو ما يحجب عرسهم عن الحسد ومن شرعيون الناس ولتبطيل اثر أي عمل مشبوه 


  • الزفــــــــــــــــــاف:

ويوم الزفاف أو يوم الدخلة، أهم يوم بالنسبة للعروسين.فهو بداية حياة الجد و المسؤولية و الواجبات ، حياة الرجولة و الأبوة بالنسبة للعريس و حياة الأنوثة و الأمومة بالنسبة للعروس .

وبالنسبة لعادات دخول العروس إلى البيت الزوجية فلابد أن تخطو أول خطوة بقدمها اليمنى و ذلك للتفاؤل ولكي يكون دائما من أهل اليمين و لكي يكون قدمها قدوم خير. وهناك من يعطي العروس وبخاصة حماتها في يدها اليمنى أي نوع من النبات "النعناع " لأن في اعتقادهم أن النباتات رمز للخير ، و في اليد اليسرى تسلمها إناء فيه القمح الذي يرمز للخصب و الذرية الصالحة و كذلك من العادات أيضا أن تستقبل الحماة عروس ابنها على باب المنزل وهي منحنية للدلالة على الخضوع و الطاعة. أثناء الزفة ترش العروس بالملح لدرء العين و الوقاية من الأضرار.


  • الصبــــــــــاحية

وهي صباح اليوم التالي للزفاف و فيه يزور أهل العروس ابنتهم لتقديم الصباحية و هو فطور خاص يعد من اللحم و الفواكه و الحلوى ، كما يقدم لها النقوط (ثيزري ) و يباركون لها بعبارة "صباحية مباركة "، هذا من جهة العروس أما من جهة العريس فعلى أهله أن ينقطوا ابنهم ثم يأتي الأقارب والأصدقاء و تقدم لهم الحلوى، الكعك و الفواكه


  • أسبـــــــــــــــــوع العروسين

وهو اليوم السابع بعد زفاف العروسين و يحتفل به كما يحتفل بالصباحية، حيث تظهر العروس في أحسن مظهر من حيث الزينة و الملبس و تقوم باستقبال الضيوف الذين يأتون للاطمئنان عليها و على أحوالها مع زوجها و عائلتها الجديدة مع تقديم لها كذلك النقوط. وفي هدا اليوم أيضا يتم تحزيم العروس بحزام صوفي من طرف طفل صغير يكون من عائلة العريس. بعد دلك يرافق العروس موكب إلى منبع القرية لتأتي بالماء وفي طريق عودة الموكب يتغنى المرافقون وتطلق النساء الزغاريد وتردد أشعار خاصة بهده المناسبة

و يعد الأسبوع خاتمة لفترة تدليل العريس و العروس و إعفائهما من كثير من واجباتهما. و بداية من اليوم الموالي يبدأ الزوج حياتهما الجدية في القيام بمسؤوليتهما في خدمة الأسرة في كل ما تتطلبه الحياة العملية

ومن التقاليد أيضا أن يسمح للعروس بالخروج مباشرة بعد الأسبوع الأول، وتكون أول زيارتها لأهلها ويجب أن تراعي في خروجها عادات السيدات المتزوجات


الخاتمـــــــــــة 


يكتسي الزواج التقليدي القبائلي قيمة اجتماعية بارزة، لأن مدلوله حقيقة ملموسة في الحياة اليومية، فهو إذن سلوك متكرر يكتسب، يتعلم، ويمارس اجتماعيا ترتضيه الجماعة بل تفرضه. كما أن الزواج التقليدي القبائلي عادة اجتماعية توضح أسلوبا أو سلوكا اجتماعيا من طرق الخطبة، عقد القران والزواج إلى غير دلك من السلوكيات التقليدية. فالزواج إذن، هو مظهر من مظاهر القيم التي تمثل القوى المحركة للمجتمع

modal