مرحبًا بكورونا التي تعيدنا إلى سكة الإنسانية ...

بقلم: نور الدين عثماني
 
في ظل العولمة الاقتصادية الزاحفة التي تفوقت فيها الهيمنة القائمة على المصالح الضيقة وفرضت نموذجا أحاديا على باقي الشعوب وفي ظل ما أثارته من نقاش بين متفائل ومتشائم وكُتب فيها الكثير بين مؤيد ورافض، يطل علينا فيروس كورونا كوجه آخر للعولمة، عولمة الخطر والخوف واليأس وكأنها عدالة ربانية لعلها توقظ ضمائرنا وتذكرنا أن مصير الإنسانية هو مصير مشترك. إن عولمة هذا الوباء وعولمة الموت قد وحّدتنا في الخوف والفزع وفي سلوكياتنا لمواجهة الخطر بعدما عجزنا أن نتوحّد ونوظف قدراتنا لخدمة الإنسانية، ولعلها مناسبة لمراجعة الذات التائهة في متاهات وأطماع.  
 تموت العولمة في فيروس يرانا ولا نراه يسكن أنفاسنا ويدغدغ حناجرنا ويلمس أيادينا، جعلنا نخاف نفوسنا وكأنها أجسام قادرة وناجسة فجعلنا نحتمي بأوقية، لا نصافح غيرنا ونتفادى أقاربنا وغيرنا وأجبرنا على الاحتماء بقفازات خوفا من تفشي العدوى ويدفعنا للعزلة  وكأنه يريد ان يقول لنا انتم الذين لم تحتضنوا بأذرعكم الضعيف والمظلوم ولم توظفوها للجد والعمل والخير فإنّني جعلتها لكم شرا عساكم تمتعضون.
 علينا أن نتأمل وأن نبحث عن أسباب الكورونا في أنفسنا.
أليس احتماء أفواهنا بأوقية هو عقاب على الأكاذيب والنميمة والافتراءات والقذف؟
 أليس تعقيم الأيدي وحفظها بقفازات عقابا لمن قتلت وسرقت ونهبت وضربت؟
أليس منع التجمعات عقابا لنا لأننا قطعنا صلة الرحم ولم نقوى على العيش معا ؟  
علمتنا كورونا أن نبحث في أنفسنا الأسباب وعلمتنا أن الفرد لا يمكن أن يعيش لوحده في عالم خُلق للجميع ليتقاسم فيه المآسي والأخطار والموت بالتضامن والتكافل الاجتماعيين، عالم نتقاسم فيه أيضا الحق في الحياة والسعادة والثروة بالعدل وهو ما لم تقوم بيه أيدينا ولا تدعو إليه أفواهنا وأصواتنا.
علمنا الفيروس أن لا حدود تُغلق وأن الناس سواسية في استهدافه لهم وأنه لا يفضل جنس على آخر ولا لغة على أخرى ولا دين عن دين آخر، إنه الوباء الذي يدلنا على أن مصير الإنسانية واحد وكأنه يريد أن يقول لا تبحثوا عن الموت في حروب فالموت دوما بجواركم ، بل عززوا قدراتكم بالعلم والبحث واهتدوا للخير والحب والسعادة.
ربما يكمن علاج كورونا في معالجة أنفسنا وتفكيرنا بالعودة إلى القيم الإنسانية أولا قبل البحث عنه في المخابر...مرحبًا بكورونا التي تعيدنا إلى سكة الإنسانية ..
modal