نحاول في هذا المقام الوقوف على بعض تعليقات الفلاسفة على الوباء المستشري في العالم هذه الأيام والذي يشيع شعورا كبيرا بأن شيئا هاما يحدث في التاريخ البشري.تقول الفيلسوف المهتمة بشؤون البيئة والمناضلة في صفوف الخض "كورين بيليشون" Corine Pelluchon: "يمكن أن يعلمنا وباء كورونا Covid-19 الكثير عن أنفسنا وعن حضارتنا. ويمكنه أن يذكرنا، أولاً وقبل كل شيء، بالضعف البشري العميق في عالم يجتهد من أجل نسيان هشاشة الإنسان العميقة. ما يحدث هو أن استناد أنماط حياتنا ونظامنا الاقتصادي كليا على عبادة "الإفراط"، وعلى القدرة الكلية مع نسيان كل بعد آخر مثل محدودية الجسد، وهذه ليست مجرد حقيقة نظرية بل إنه سبيل للتفكير في اعتبار الأهمية المادية لوجودنا واعتمادنا على الظروف البيولوجية والبيئية والاجتماعية التي هي في النهاية الشروط الحصرية لوجودنا: الصحة هي شرط حريتنا".
ثم تدعونا الفيلسوفة إلى قلب موازين المفاهيم القاعدية الإنسان والإنسانية: "نحن الذين اعتقدنا أنه تم تعريفنا قبل كل شيء بإرادتنا وخياراتنا، نواجه اليوم خطا هذا التحديد. وهذا يعني من خلال التغيير المحتمل للجسم الذي يمكنه التعرض للأمراض والحاجة إلى الرعاية وغيرها".
على يد أخرى نجد الفيلسوف المهتم بسوسيولوجيا العنف اليومي، والميال إلى الشرقيات والتأمل والتجارب الروحية: فابريس ميدال Fabrice Midal: "لقد علمنا أن أي شكل من أشكال الاعتقال والراحة هو في الأساس شكل من الكسل وحتى الموت الرمزي. فالحياة لا تتعلق باستمرار الحركة! والتقاط صور شخصية. لقد شاهدت جدتي نيران مدخنتها طوال المساء أو حدقت في النجوم على مقعد في حديقتها. لم يكن ذلك شيئا غريبا في ذلك الوقت!... والغالب على هذه التجارب المختلفة هو أن أحد مفاتيحها ( كما يقول فيدال متحدثا عن تجربته الشخصية هو قراءة الشعراء: فالوحدة التي يقدسها الشعراء هي فرصة لإعادة التواصل مع العالم. للانفتاح عليه. والتأمل يساعدنا من جهته على التركيز على الأساسيات. إنها تجربة مؤسسة للبشرية جمعاء: نهاية خفة معينة ولامبالاة ما: سنفقد بالتأكيد إهمالنا، وسيكون الانهيار الاقتصادي كارثيًا. الناس، الذين يركضون ضد أنفسهم لفترة طويلة، لن يكونوا كما كانوا مرة أخرى".
ويذهب ميدال إلى الاعتقاد بأن طول مدة هذه الأزمة قد يكون جالبا للخير أكثر من سرعة حلها. وهو رأي سديد رغم غرابة النطق به في زمن يعبر كثيرا عن القل من كل أصناف الخوف والنقص الذي يصيب الأنفس والأموال والثمرات... وهو بهذا يقف عند عملية المراجعة العميقة التي يرى أن جدل الطبقات المفكرة الفاعلة في العالم قد اشتد وصفا وأخذ ينتبه للضروري لأجل تحديده بدقة، والالتفات أكثر صوب الأهم في حياتنا: ضمان مستقبل آمن للكوكب بدلا من العمل على الانخراط في السباق المستمر الهادف إلى ما يهدف إليه العقل الرأسمالي: الربح والفوائد والمضاربة على كل شيء.
من نافذة أخرى بجافة لوفان البلجيكية يكل علينا الفيلسوف "ميشال دوبوي"Michel Dupuis المهتم بالمسائل الأخلاقية والبيوإيطيقا وبالمسائل القانونية والسياسية في الميدان الطبي. و هو يبرز على الفور الصعوبة المحددة التي غالبا ما يتم الوقوف عليها فيما يتعلق بموضوع مثل المرض أو الوباء. أو المحلل هي تاموتجهة المحرجة للعديد من التمثيلات التي تقدم بعدًا هامًا للمواجهة العامة والاشكالية بين الذاتية الفردية والجماعية.
لكنها مواجهة مشبعة بمخزونات الذاكرة الجماعية للحقائق التاريخية حول الموت(الإنفلونزا الإسبانية والسارس في هذه الحالة) و كذا حول الخطر الخاص الذي يحول الموت إلى موت خاص جدا موت؛ أت من الجميع ومصوب صوب الجميع بعيدا عن إمكانيات التصنيف السوسيولوجي أو الطبي. موت مشبع بالحركة العشوائية التي تفرض مخرجات سوسيولوجية وأخلاقية عديدة . مع ضرورة الإحالة على ثقافة غربية تتميز بالعلم. لذلك نحن لسنا هنا في معارضة كلاسيكية بين الحقائق العلمية والتمثيلات الذاتية ، ولكن في مواجهة "سيناريو" أكثر تعقيدًا.
بالنسبة لميشيل دوبوي ، يذكرنا وباء الفيروس التاجي (كورونا) هذا بأننا تشكيلات اجتماعية حميمة ومترابطة رغم ولعنا بالفردانية والدفاع عن الذات . إن وسط العدوى بالمرض - الهواء المشترك - يتحدى تمثيلنا للمجتمع كمقابل للهيئات المستقلة والمنفصلة. "في هذه النقطة، فإن الوباء مشترك مع قضية المناخ إذ يذكرنا بأننا جميعًا في نفس القارب وأنه لا خلاص لنا إلا معًا. وبالتالي فإن الرغبة في البقاء تستيقظ على شكل أولي من وعي المواطن لا من وعي الفرد كما تعلمنا في دروس السيكولوجيا. "
من زاوية نظر أخرى، يطرح ميشيل دوبوي فرضية أكثر جرأة: إذ يقول إن الوباء بصدد تقويض نوع من "المعيار الرقمي" العالمي الذي يتم التسليم به مع التطور الرقمي، إذ أننا بصدد فقدان الشعور بحقيقة أن العالم هو أولاً وقبل كل شيء ملموس وواقعي. فهذا الوباء بشكل ما يعيد "الطبيعة" إلى صميم اللعبة. إنه يذكرنا بأننا "أرواح متغطرسة " يمكنها أن تموت " بغباء وبساطة" مصدرهما الطبيعة. "
أما الفيلسوف الاقتصادي الشهير جزائري الأصل والمنشأ جاك أطالي J. Attali؛ والذي يعد احذ أهم مفكري العولمة والمتأملين في الهندسة الحالية للعالم الرأسمالي فيستعيد ذكريات الأوبئة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، ويرى بأن طهور ما يمكن تشبيهه بالحكومة العالمية ضروري لعلاج هذه الشكال الجديدة من الأخطار التي تتهدد الإنسانية.
فهو يدعو باستمرار إلى التغيير الجذري في النظام الحالي؛ ويتحدث أصلا عن "التغيير كإجراء وقائي". و هذا هو العنوان الذي أعطاه جاك أتالي لمذكرته الفكرية على موقعه الخاص والمعنونة billet d’humeur بتاريخ في 3 مايو 2009 ، عندما ظهر فيروس أنفلونزا الخنازير. وقد وصفته منظمة الصحة العالمية الفيروس بعد ذلك بأنه وباء ، إذ أنه بلغ حد تدمير بعض البلدان. في ذلك الوقت ، كان الكاتب قد نبه قائلا : إن " التاريخ يعلمنا أن الإنسانية لا تتطور بشكل ملحوظ إلا عندما تكون خائفة حقًا" ، على حد قوله في البداية، قبل تحديد جوهر فكرته: تضع الإنسانية أولاً آليات دفاعية لا يمكن تحملها في بعض الأحيان [...] رغم كونها فعالة أحيانًا [...] ثم بمجرد انتهاء الأزمة ، تحول هذه الآليات لجعلها متوافقة مع الحرية الفردية ، وإدراجها في سياسة صحية ديمقراطية ".
ويذهب إلى الدعاية لفكرة يحدث ان ننساها، فيقول: "إن الإيثار هو الحل". مع الإشارة الضرورية بالنسبة لمختص في الاقتصاد والمالية إلى العواقب الممكنة للوباء، فقد سئل الاقتصادي في 22 مارس الفائت من قبل القناة الفرنسية "France Culture" عن الوضع فقال: "في الوضع الحالي ، هناك بداية للوعي بالحاجة إلى شكل آخر من أشكال المجتمع الذي لا يرتكز بالضرورة على الأنانية والربح"، كما يقول، معتبرًا أن مجتمع الغد "يجب أن يغير شرعية سلطته، التي لم تعد دينية، أو مرتبطة بالقوة، أو أحادية الاتجاه، أو حتى مالية كما تعودنا".

 

modal